هل جربت يوماً أن تُصَنَف كما تشاء الأيام؟ أو توضع في مكانٍ قد صممه القدر خصيصاً لك؟ اعتقد أنك قد فعلت، فتلك هي مهمة القدر والأيام المفروضة علينا طالما أن هناك أرواح بداخلنا، غالباً ما يشكوا الناس من هذا التصنيف ويفترون على الأيام الكذب مدعين أنها قد ظلمتهم! .. لحظة من فضلك! هلَّا نظرت للأمر من موضعٍ آخر؟ ماذا لو أن هذا المكان هو الأنسب لك؟ ماذا لو أنك لم تحاول أن ترى ما وراء الأحداث؟ ماذا لو أنك تنظر تحت قدميك وحسب؟ كيف لو أن هناك رؤاً أخرى لم تنتبه لها؟ الأمر يستحق التفكير أليس كذلك؟ حسناً سأحكي لك عن فصل من فصول حياتي في عشرة سطور مختصرة عله يمثلُ إلهاماً لك لإعادة التفكير في خطواتك الحياتية السابقة واللاحقة.
في العام الماضي وفي وقت مقاربٍ لهذا التوقيت كنت قد قررت أن أغلق بقلمي جزء من أجزاء حياتي وأبدأ في فتح واحدٍ جديد، لكن عندما رفعت قلمي وعزمت على أن أكتب أول سطر في صفحاته، تساقطت الكثير من قطرات الحبر على دفتر مذاكراتي -لحيرتي بماذا أبدا؟- فظننتها نذير شؤم! وتخوفت من القادم والمستقبل وارتعش قلبي ورجفت شفتاي! ما لم أعرفه وقتها هو أن سقوط تلك القطرات كان إشارة لأنني لن أكتب هذا الفصل بمفردي بل ستشاركني الكثير من الأقلام الذهبية في كتابته.
كنت في البداية مترددة وخائفة ومرتعدة وشعرت للمرة الثانية بشعور الطفل لحظة دخول المدرسة لأول يوم، بل وتبادرت إلى ذهني كلماتُ كثيرٍ من الناس عن مدى صعوبة هذه المرحلة -أترون كيف كان إعدادي النفسي لهذه المرحلة من أسوأ ما يكون! لا بأس دعونا نكمل على أي حال- سريعاً ما وجدت نفسي قد سحقت تحت عجلة الدراسة إن صح التعبير .. دروسٌ ومحاضراتٌ وأبحاثٌ وكتبٌ وأوراقٌ بعضُها فوق بعض .. كان النظر إلى ما ورائي من مهام فقط يفقدني صوابي فأطلق ضحكات هستيرية أتسائل بعدها "أنا ايه اللي رماني ع المر؟!" وكثيراً ما حملت هذه العبارة طعم الندم على استمراري في الدراسة للوصول إلى درجة الماجستير.
عيناي الناعستين لم تريا حينها حكمة الله من وراء استكمالي لدراستي هذا العام، وعقلي الصغير لم يكن قد نمى بعد ليستوعب الفكرة التي أراد الله سبحانه وتعالى أن أتعلمها وأتخذها وسيلة للسير على طريق حياتي .. لم ترى هاتان العينان المشهد كاملاً إلا منذ أيام قليلة! حين وقفت على مسافة من شخصيتي القديمة لأرى كم التحول الذي حدث بداخلي! أصبحت الابتسامة لا تفارق ثغري .. صار التفاؤل لا يترك عيناي .. بات قلبي أكبر وأوسع .. وغدوت أكثر قدرة على التسامح والنسيان .. أما عن كينونتي فقد وجدتها أكثر مرونة وقدرة على التعامل مع الظروف الصعبة .. وقد تعلمت أن أنحني مع الريح فلا أنكسر من شدتها ولا أتغير مع تيارها القوي.
فجأة تكونَ لدي أسطول من الصديقات .. عددٌ لم أكن أحلم به حتى في أحلام اليقظة! وكلهن مقربات إلى قلبي كثيراً، كتبن معي أحلى سطور العمر، و رسمن لي صوراً يعجز أكثر الفنانين موهبة عن الوصول إلى جمال وكمال تفاصيلها .. تلك الصور التي زينت كتابي وزادته بهجة .. سألت نفسي ماذا لو رجعت إلى الوراء ولم أمر بهذه السنة، ترى كيف سيكون حالي؟ رباه! كنت سأظل تلك الشخصية الكئيبة المملة التي تظن أن العالم صغيراً جداً ليتم احتوائه وكبيرٌ جداً ليتم اقتحامه .. هذا فظيع .. حتى ذاكرتي تأبى النظر إلى الوراء لتراني كيف كنت!
حسناً الآن .. هل قرأت كلماتي السابقة؟ هل استوعبت الفكرة أم شغلت عقلك بعد السطور قبل القراءة؟ هم ليسوا عشرة على أي حال☺قد تجاوزوا العشرين ربما☺!
لا مشكلة فقد أعددتُ ملخصاَ لما أريد قوله في أربع سطور في حال لم تقرأ حكايتي، وهذه المرة أعني ما أقول:-
عزيزي القارئ
"عليك دائماً أن تنظر لخلفيات الأحداث بعين ثاقبة، وإياك والظن بأنك الأشقي بين البشر فإن هذا الظن إثم، وتذكر أن نقطة الماء تثقب الصخر لا بالمرور فوقه ولكن بالنحت داخله، فحاول أن تحكم الحياة قبل أن تحكمك، وتذكر أن الحكمة ليست في طول الطريق بل في وسيلة السير عليه".