الجمعة، 15 مارس 2013

عالمٌ من اختياري






حين تتضاعف تلك اللحظات المليئة بالكآبه وتتكالب على عقلي الهموم وتتسابق الآلام للوصول إلى جوف قلبي، لا أجد مخرجاً سوى أن أرفع راحتي إلى صدري واستلقي ممدة جسدي على أريكتي الصغيرة ثم اغمض عياني لافتح ذلك الباب الذي يقبع بين عالمين، الأول صنُع لي والثاني صنعته بنفسي.
هناك حيث كل شيء ارسمه يصبح حقيقة .. هناك يوجد ما أحب وما أحب فقط .. يأتي الصباح عندما أريد .. ويتحول إلى ليل حالك السواد عندما آمره .. هناك يقبع الكوخ والقصر .. وهناك يجتمع اللون الأخضر مع صوت الأمواج .. هناك يتساقط المطر ويصفو الجو في ثوان .. هناك بيتي وأشيائي وآمالي وأحلامي .. كم أحب هذا المكان بل هو عشقــــــي .. في هذا العالم لا تفارق البسمة ثغري الصغير، لهذا المكان مفعول السحر على كياني، فكم من مرة كنت أغط في بحر من الشجن وكم من مرة كنت أرى الدنيا بلونٍ أسود ثم يتغير كل شيء بمجرد دخول هذا العالم.

ترى هل أهرب من الواقع؟ أم اهرول مبتعدةً عن مشكلاتي خوفا من مواجهتها؟! يكثر إلحاح هذا السؤال على رأسي، بل إنه يقتحم عالمي كطنين حشرة مزعجة توقظني من ثباتي العميق، لكن أليس كلُ بني البشر لديهم هذا العالم؟ ألا نعبر كلنا هذه البوابة التي تفصل بين عالمين يومياً؟ لا أتخيل وجود شخص بعالم واحد .. و إذا وجد فأشفق عليه من أعماق قلبي .. فذلك المسكين قد ماتت فيه الحياة أو حكم على نفسه بالموت حياً.

أتعلمون؟! قدرتي على دخول ذلك العالم تعد نعمة في حد ذاتها .. فقد وهبنا الله "الخيال" لنطمح إلى "الكمال"، ما العيب في أن يفتح الإنسان آفاق خياله ويذهب إلى ما بعد حدود التفكير طالما أنه لا يؤذي أحداً! مخطىء من يظن أن هذا النوع من التأمل قد يتعارض مع الواقع، فمهما بعدت طرق الخيال فسيبقى خيالاً بينما يبقى الواقع واقعاً ، ولكلٍ منهما طريق منفصل يوازي الطريق الآخر .. فما المانع إذن في أن أسير في كلا الطريقين معاً؟! ألم تتمنى يوماً أن تغير الواقع أو تحسنه؟ ألم تحلم يوماً بالحياة المثالية؟ ألا تطمح لتحقيق الأفضل؟ .... لا؟!! إذن أنت مجنون أو معقد أو  ربما كلاهما.

أما أنا فقد قررت أن "أصنع عالم من اختياري" لا أباللي إذا كان هذا العالم يقبع في رأسي فقط فهذا لا يمنع أنه موجود ولا تمنعني تلك الفكرة من دخوله، فطالما أجد فيه سعادتي فلا اهتم، فأنا ببساطة أكون حزينة .. أغمض عيني .. أدخل إلى عالمي .. أغط في ثبات عميق .. أحلم أحلاماً سعيدة .. ثم استيقظ مستقبلةً يومي الجديد بوجه بشوش وقلب محرر من الحزن؟! ولا أحلى ولا أروع.

كل عالم أو مفكر بدأ طريقه من خياله  .. فالـ "الفكرة كالبذرة إما أن تزرعها لتنمو وتصبح شجرة قوية وإما أن تدهسها لتموت وتختفي" وتلك الفكرة أرضها الخيال فإن فتحت بوابة الخيال و صنعت لها شمساً وهواءً وماءً نقياً فستنمو وتكبر وتؤتي بالثمار التي يمكن أن تصحبها معك إلى أرض الواقع، و إما أن تغلق أبواب ذلك العالم لتبقى الفكرة في سواد حالك فلا هي نمت ولا أنت حققت تقدماً .. فلا تخافوا من الخيــال فكم من خيال أصبح وقعاً! ولا تهربوا من عالم الأمنيات فكم من أمنية أصبحت حقيقة! ولا ترتعدوا من الأحلام فكم من حلم أصبح هدفاً للسعي! وتفائلوا فالحيــــــاة جميلة .. وكما قال رحمةُ العالمين محمد صل الله عليه وسلم "تفائلوا بالخير تجدوه".