هل مر عليك وقتٌ تمنيت فيه أن تكون شخصاً آخر من مكانِ آخر وعالمٍ آخر؟ هل تمنيت سراً أن تعيش حياةً أخرى غير تلك التي تحياها؟ هل نظرت إلى الآخرين بعينٍ غيوره متمنياً أن تكون في موضعهم؟ هل أطلقت لخيالك العنان وغيرت ملامح مكانك الذي عشت فيه وأسرتك التي ربيت فيها؟ حسناً .. أنا لم أفعل :) .
أنظر إليه متأملةً وسامةَ ملامحه وهو يغالب النعاس حاملاً عينه على البقاء مفتوحة حتى يستطيع قضاء أطول وقت ممكن معي .. أسبح في ملامح ذلك الرجل الذي كان سبباً في سعادتي .. أتأمل عيناه الزرقاوتين و وجهه المائل للحمره .. أذهب إلى أعماقه لألمس قلبه الحنون .. أنبش في ذكرياتي باحثة عن تلك المواقف التي كان يطوقني فيها بذراعيه الحانيتين وتلك التي كان يوبخني فيها حين أخطىء وتلك التي كان يخفي خوفه فيها حتى يبعث الطمأنينة في نفسي وتلك التي كان يضحكني حين تنغمر وجنتاي في الدموع وتلك التي كان يلاعبني فيها حين كنت طفلة واضعا فكره في مستوى تفكيري المحدود .. أهٍ يا أبي لقد مات كل الرجال في عيني .. أين أجد في العالم كله رجلاً مثلك؟ أي رجلٍ هذا الذي سأدخله في منافسة معك مع يقيني بأنه سيكون الخاسر؟! كم كنت طفلة حمقاء حين ظننت يوماً بأنك لا تحبني! كم كنت أغرق في بحر من البلاهه حين ظننت أنك لاتهتم بي! أشعر بغصةٍ في أعماقِ أعماقي حين أتذكر أني لم أدرك هذه الحقيقة إلا بعد مرور سنين عديدة .. أبي يا من زرعت في داخلي بذرة للرجولة والأخلاق والقيم وجعلت ترويها على مر السنين حتى كبرت وأصبحت شجرة عالية تضرب بجذورها في الأرض لا تؤثر فيها رياح التغيير.
أمي الحبيبة: يقولون أني أكثر ابنائِك شبهاً بك! وأقول أنا هل أملك هذا الشرف؟! هل أحمل تلك الملامح الجميلة التي تخترق قلب الناظر إليها من الوهلة الأولى؟! لا أظن .. فلا توجد في العالم كله من تحمل تلك الملامح سواك .. هل لدي هذه البسمة التي من شأنها أن توقف حروب وصراعات؟! أيضا لا أظن ..
يا سيدتي لا يجتمع العقل والحكمة والخلق والدين والجمال في إمرأة واحدة إلا فيما ندر وأنت جمعتِ كل تلك الصفات بل وزدتِ عليهم .. أمي قد جعلتِ الوصول إليك صعباً .. كيف أشبهك وأنا لا استطيع الوصول حتى لنصف صفاتك؟!
لا يزال صوتكِ يتردد في أذني حاملاً كلماتٍ لايستطيع أحكم الحكماء أن يصيغها باتقان مثلك .. لا تزال نغمة ذلك الصوت الحنون تعزف داخلي أحلى ترانيم الحياة لتعلمني كيف أعيش ولتحملني على الصبر في أصعب المحن.
أبي .. أمي، ماذا أكون أنا من دونكما؟! عقلي .. فكري .. حياتي .. وجداني .. كلماتي .. ثقافتي .. صنعتما كل هذا معاً .. يشهد الله أني لم أبذل أي جهد حتى أصل لما أنا عليه الآن .. ترى هل تكفي كلمة "شكراً"؟ هل توفيكما حقكما علي؟ والله لا تكفي أبداً حتى لو زدتُ عليها آلافاً مؤلفه من كلمات الشكر والتقدير .. مع ذلك كله أجد نفسي دائماً فتاةً ضعيفة ناكرة للجميل لاتستحي من أن تفعل ما يغيظكما .. كم أخجل من نفسي حين أستفيق من لحظة الضعف تلك، وتضاعفان أنتما خلجي حين تسامحاني مرة بعد مرة وأعلم أني لو أخطأت ألف مرة لسامحتماني ألفين .. أي صبر هذا الذي تملكان؟! هل يوجد قلبٌ في العالم يحمل هذا الحب لأحد كما تحملانه لي؟ لا أملك سوى أن أعمل بوصية خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم بالدعاء لكما في كل وقت وفي كل صلاة حتى ينتهي عمري .. فيارب يا من وسعت رحمتك كل شيء أشهدك بأن أبي وأمي قد ربياني وأحسنا تربيتي فاللهم اجعل جزائهم الفردوس الأعلى واللهم اجزهما خيراً واللهم ارحمهما كما ربياني صغيرا .
لم ولن أتمنى يوماً أفضل من هذه الحياة .. وسأفخر دائماً بأن أقول "هذه هي حياتي وهؤلاء هم أجمل ما فيها" :).