كوب من الشاي .. منزل هادئ .. ليل صافي .. نسيم عليل .. ومجموعة من الورق المتناثر حولي .. امسك قلمي وأهم بالكتابة ولكن يالصدمة! قلمي يأبى البوح بما داخلي! اترك القلم .. امرر راحتيَّ على وجهي .. اغمض عيناي وأقوم بالاسترخاء قليلاً ثم أعاود المحاولة ولكن بلا فائدة!!
ترى هل جف نهر الإيحاء الذي كان يروي أفكاري؟! أين تلك الأفكار المتزاحمة التي كانت تملأ رأسي طوال اليوم؟! لماذا أشعر الآن وكأن عقلي وقلبي فارغين؟! كأنني في مطاردة مع الكلمات وكلما أمسكت واحدة تهرب الأخرى!
أريد حقاً التعبير عما بداخلي عن مكنونات نفسي .. أرغب في أن أفرغ ما يحزنني في مئات الصفحات من الورق وعشرات القطرات من الحبر ثم أنثر ذلك الورق في كل مكان علَ ذلك يخفف من اضطراب أمواج خاطري .. فلماذا أيها القلم تخذلني الآن؟!
ترى هل كنت مخطئةً حين ظننت أن الأمر لا يتطلب أكثر من مجموعة من الورق وجو هادئ وقلم؟! هل البوح بما في نفسي صعب إلى لهذه الدرجة؟ أتحدث إلى الشق الآخر من نفسي طوال الوقت وفي جميع الأحوال وفي كل المواقف .. فلماذا لا استطيع التحدث إلى الأوراق المبعثرة حولي؟ هل غرتِ يا نفسي من الورق فأبيتي أن أتحدث إليه؟ هل شعرتي بأنه سيكون بديلاً عنكِ؟ هل أنا مخطئة لأنني حاولت التخفيف من همومك ونثرها بعيداً؟!
عجز قلمي أم عجزت أنا؟! كلما أمسكت بالقلم وهممت بالكتابة أشعر وكأن هناك قوة خفية تحرك يدي بعيداً عن الورقة التي أمامي وترمي بقلمي ليسقط صريعاً على الأرض.
قمت من موضعي .. مشيت قليلاً .. تحركت ذهاباً وإياباً بين أركان الغرفة حتى وقعت عيني علىها .. ارتسمت على شفتاي ابتسامةٌ خفيفة .. ثم تحركت نحوها .. حملتها من موضعها و وضعتها باتجاه القبلة .. توضأت وارديت عباءتي ثم قلت وقالت جميع أجزاء جسدي "الله أكبــــر" .. ركعت ثم رفعت يدي إلى السماء دعوت وابتهلت وفاضت عيناي بنهرين من الدموع .. لم أجد صعوبة في الكلام و لم تهرب مني الكلمات ولم تنتفض نفسي خوفاً من التعبير عما بداخلها .. انيهت صلاتي بالتسليم .. وضعت كفي على قلبي وشعرت به يقول لي "ما أسعدني الآن" كم كنت تائهة قبل تلك اللحظة .. بحثت عن ملجأ لأخرج ما بداخلي فلم اجده في اتساع الدنيا ولا في كثرة الناس بل وجدته في تلك الآيه، قال تعالى: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ".
أستطيع الآن أن أقول: "عندما يعجز القلــــم .. ينفتح باب الدعــاء".